إسدال الستار على آخر فصول الحب - مُترجم

مقدمة المترجمة


هذه الترجمة جزء من عملية التعافي من علاقة انتهت، ورسالة تعزية أخيرة، في محاولة لإسدال الستار على أكثر فصولها ثقلاً على الروح.

محاولة جادة لاستيعاب الرحيل، وحمايتي من التحول إلى فريسة غارقة في الذكرى أو الأمل الزائف، وتعبيرًا عن اختياري النجاة بروحي من محاولات الجلد؛ سواء لنفسي أو لشبح من رحل.. حسنًا لننهِ هذا هنا والآن.


في محاولتي للاستيعاب اخترت التخلي عن سردية الطيب والشرير الكلاسيكية -والطفولية- في الحقيقة أنا أصدق الآن أن هذا لا يمثل جوهر علاقات الحب كما أراه الآن، مستدعية ما كتبه نزار "الحب ليس روايةً شرقيةً بختامها يتزوَّجُ الأبطالُ"، لا أعني علاقة الزواج في حد ذاتها، بل كل العلاقات العاطفية الممتدة.


الكتابة هنا تعيد تعريف ما يعنيه إسدال الستار على الفصول الأخيرة من قصص الحب في عالم النضج، على الأقل بالنسبة لي، بعيدًا عما زرعته فينا السرديات الكلاسيكية من تصورات عن الحب والعلاقات، إذ تقدم العلاقات بوصفها رحلة غير مضمونة النهاية بالضرورة، بل أقرب إلى رحلة تخضع لظروف الواقع وتبدلاته، وتبدلات أطرافها وطموحاتهم واختياراتهم المتغيرة، قررت أن يكون هذا وداعي لما تبقى من تشبث أصبح يثقل روحي التي لا تحتاج الآن سوى إلى تصديق حقيقي بأن ما كان يجب أن يظل في طيات الماضي، والماضي فقط.


في كل علاقة يتصور الحبيبان كما وصف محمود درويش، إنهما استثناء، وكما يعلمنا في بيت الشعر ذاته فقد كذبنا حين قلنا ذلك، أعتقد إني تجاوزت عقلي وصدقت أكثر مما يجب، لم يكن هذا خطأً وبالتأكيد لا أندم عليه، إذ يهمني أن أرى الحقيقة كما هي، دون توجيه اللوم لأحد، وأن أستوعب أن البشر واحتياجاتهم من العلاقات والشركاء تتغير بمرور الزمن، وأن هذا التغير قد يحدث في اتجاه قد لا يعجبنا، وأن النهاية لا تعني بالضرورة أن ما أحسسناه كان كذبًا، ولكن من الواجب تجاوزه لأن الحياة يجب أن تستمر.


نورهان ثروت


إسدال الستار على آخر فصول الحب



كل قصة حب حزينة أو علاقة لم يكتب لها الاستمرار، تحمل بداخلها روايتين، قد لا يرى من يسمعهما أي صلة بينهما، إذ لا يحملان نفس التفاصيل، فيبدوان من الخارج وكأنهما قصتان مستقلتان، ولا تعطينا أي من الروايتين لمحة عمن فعل ماذا ولأي سبب.


في الرواية الأولى يخبرنا الطرف الأول بأسى أنه بعد كل الصراعات والإحباطات كان ينبغي أن ينتهي الأمر بهذا الشكل، وكأنه يقول لنفسه:
مشاعر شريكي فترت.. حاولت كثيرًا استعادة الحب المفقود، لكنه كان يرد هذه المحاولات بعنف ودفاعية شديدة، وكان لزامًا أن أيأس في النهاية للحفاظ على ما تبقى من عقلي.
ولكن الطرف الثاني -الذي قد يكون مر بنفس المعاناة في آخر سنوات العلاقة- يصوغها بطريقة مختلفة:
كانت شريكتي متطلبة وكثيرة الشك، تشك دائمًا أني لم أعد أحمل لها الحب، وهذا على عكس الحقيقة، أحببتها، ولكن بطريقة مختلفة، كانت دائمًا غاضبة وعنفتني باستمرار، وأصبح من المستحيل علي البقاء.

من الأهون على عقولنا تصديق روايتنا عما أدى للنهاية، وأن نكتب قصة تشبه ما نصدقه عن أنفسنا، وأن نرى أنفسنا الطرف الطيب في القصة، وأن نشكك في نزاهة الحبيب السابق، وطبعًا سيكون من حسن حظنا أن يتبنى الطرف الآخر نفس الرواية، وأن يرى الأمور من ذات الزاوية، لكن هذا لن يحمل للطرفين سوى الأذى النفسي.


سينتهي بنا الحال ممتلئين بعدم الرضا، التعاسة، ممتلئين بالأسئلة التي لا نملك -وقد لا يملك الطرف الآخر - إجاباتها، في أحسن الأحوال سنتحول لمتشككين في كل ما حولنا، وفي كل ما أحسسناه وصدقناه، وإذا ما كنا استوعبنا حقًا ما حصل وما أدى بنا، كلينا، لهذا الفشل.

إسدال الستار لا يعني محو كل التناقضات التي تحملها الروايتان، لكنه يكمن في محاولة بناء سردية واحدة تحاول استكمال التفاصيل مستخدمة كلتا الروايتين، وتفسح المجال لحقائق بديلة قد لا تعجبنا.

صعوبة التعايش مع رواية لم يسدل ستار آخر فصولها تكمن في أن أحد الأطراف سيظل يرى نفسه مالك الحقيقة الوحيدة، وسيرى في الطرف الآخر بالضرورة شرير القصة، كما لو كان الحب محاكمة يجب أن تنتهي إما بالبراءة أو الإدانة للطرف الآخر؛ خياران لا ثالث لهما.


هنا سنتمسك بتخيلنا عما حدث، وبأن الشريك قد فترت مشاعره بشدة بلا سبب منطقي، وأننا كنا الطرف الوحيد الحريص على استعادة الحب والحميمية.

أما الطرف الثاني – الذي تخلى عن الحب في رواية شريكته- سيرى نفسه الطرف العاقل الوحيد، وأن شريكته كانت متطلبة بشكل يفوق قدرته.
وهذا الجدل العقيم من الممكن أن يستمر لسنوات قبل النهاية، ولسنوات أخرى داخل عقل كل طرف بعد الانفصال.
سبب من أسباب عدم قدرتنا على إسدال الستار، هو شكنا الدائم -والمنطقي- تساؤلنا حول روايتنا ذاتها، فالرواية التي لم نرتكب فيها خطأً هي بالضرورة نصف حقيقية، وأنصاف الحقائق بطبيعتها مؤرقة.
سنتشبث في هذه الحالة بأننا على حق تمامًا، وسنقفل الباب على أي محاولة فهم حقيقية لجوهر الحب والعلاقات.


لنتصور معًا أن شخصًا ثالثًا يروي القصة، وأنه كان مطلعًا على كل التفاصيل، بالتأكيد ستحمل روايته تعاطفًا مع أبطال الرواية، وتعقلاً في التعامل مع الطرفين، وسيحكي لنا ما حدث بموضوعية أكبر.
إذ دون رؤية كافة التفاصيل ستظل الرواية الحقيقية تائهة، وستختلف حتى في أصغر التفاصيل، نعم قد يفقد الشريك مشاعره تجاهنا، ولكن لنصف هذا بالتجنب العاطفي، بدلاً من تسميته فتور مشاعر، لأننا حين نراها بهذا الوصف سنعطي أنفسنا مساحة للتعاطف مع الطرف الذي تخلى، وسنرى التخلي جزء من تعقيدات تاريخه العاطفي، وستصبح تصرفاته الأخيرة مبررة، وسنستوعب أن ردود فعلنا تجاه ذلك كانت غبية، وأن توبيخه الدائم لدفعه لاستعادة مشاعره هو أمر في أفضل الأحوال غير معقول.
من العدل أن نعترف هنا أن الطرف الآخر لم يكن حقيرًا، بل كانت مشاعره قلقة، وهذا القلق نابع من أسباب متعلقة بالنشأة، وهذه أشياء تحمل في طياتها أسبابًا كثيرة للتعاطف معه.


نحتاج إلى قدر عالٍ من الشجاعة لنتخلى عن سرديتنا المريحة، وعن ثنائية "الطيب والشرير"، وأن نعترف أن نسخة الحبيب السابق من الرواية تحمل تفاصيل من الجيد أن نستوعبها.
وحين نتجرأ في النهاية ونتنازل عن دور البطل الطيب الذي لم يخطئ سنمتلك ما يفوق تصورنا عن الرواية، وسنمتلك رواية متكاملة واقعية لما حدث حقا، قد تساعدنا في تخطي العلاقة، وأن نرى بشكل حقيقي – وصحي- ما ننتظره من شركائنا العاطفيين في المستقبل، وسنتمكن حقًا من إسدال الستار.

 

رابط المقال الأصلي: https://www.theschooloflife.com/thebookoflife/finding-closure-after-a-breakup/




المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إشكالية الفيسبوك تتجاوز الأخبار الزائفة تعقيدا

مغامرات البنوتة المريعة

النساء في مشهد الانتخابات مجال لفرض السيطرة